ثقافة الروائي لطفي الشابي يتحدّث عن رواية "ما يقله الشاعر" التي تناولت شخصية أبو القاسم الشابي
في اللّقاء الذّي نظّمه بيت الرواية، يوم 21 جوان 2018 على السّاعة الرابعة مساء مع الرّوائي والشّاعر التونسي لطفي الشّابي، وقدّمه حاتم التليلي، كان الحوار متعلّقا برواية "ما لم يقله الشّاعر"، تلك التي تناولت شخصيّة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي موضوعا للحكي والتسريد، ومن ثمّ تشغيله كرمز شعريّ يحيلنا على الرّاهن الثقافي، قديمه وجديده، كما يضعه في سياق روائيّ تتناسج فيه الأجناس الكتابية نثرا وشعرا، علاوة على إضاءة نقاط مهمّشة لا يعرفها الكثير في السيرة الشعرية لأبي القاسم الشابي وسيرته الحياتية ككلّ.
امتد اللقاء على ما يقارب السّاعتين، من خلاله تمّ تقديم الكون الروائي لرواية "ما لم يقله الشاعر" في أوّل الأمر، بعدها استمع الجمهور الحاضر إلى قراءات وشذرات نصيّة مقتطفة منها، ومن ثمّة تمّ الاستماع إلى شهادة الشّاعر والروائي لطفي الشابي التي حملت عنوان "في مديح الموت البطيء، وما يليه"، لتكون العودة من جديد إلى قراءة مقاطع أخرى من الرواية قبل أن يفتح النقاش معه وتقديم الكلمة إلى الجمهور من خلال تفاعله ومشاركته محاورة جلّ الإشكالات التي تناولها اللقاء ككلّ.
عن مساراته الكتابية، أخبر لطفي الشابي بالقول "لم أسأل السّؤال حين بدأت أنجذب إلى عالم الحكايات الشفوية، ثمّ في الكتب التي كنت أقبل عليها بشغف منذ أتقنت القراءة، أنتقيها حسب ما يناسب السنّ والذّائقة التي كانت ترقّ وتصفو من نصّ إلى آخر" هكذا تبدأ الرحلة في شكلها الأوّل إلى خرائط الكتابة قبل التورّط فيها، أما عن ممارستها فقد اقترنت بتلك الأسئلة العظيمة التي ممكنا أن يواجهها كلّ كاتب، وعبر عنها بالقول: "ما الكتابة؟ ما وجع الكتابة؟ ولم؟"، حينها تأتي الإجابة كمحاولة مفهوميّة لتعريف الرواية، بما هي في نظره "ترياق النسيان" وإسفنج الأجناس الأدبيّة"،
وما هذه الإجابة التي قدّمها لطفي الشابي إلا ايحاء ضمنيّ يكشف عن كونه ليس روائيّا فحسب وإنما هو أيضا شاعر، هكذا صار يمكن القول معه ونحن نقتطع شذرة من روايته التي تمّ نقاشها في هذا اللقاء "لا يعرف ألم الشاعر إلا الشاعر"، ومن ثمّة سيصبح شرعيّا تسريد أبي القاسم الشابي وكتابته كشخصية روائيّة بامتياز.
كثيرة هي الأسئلة التي تمّ طرحها على لطفي الشابي، عن لماذا الشابي دون غيره من الشعراء، وعن الجدوى من ذلك، فكانت اجابته واضحة بعد أن كشف لنا بأن روايته تلك كانت في أول الأمر نصّا قصيرا بعنوان "موت الروح" تم تقدبمه في مائويّة الشابي، ومن ثمّ تمّ الاشتغال عليه من بوابة الدخول إلى عوالم الرواية، أمّا فيما يخصّ استحضار شخصية الشاعر فالأمر عائد إلى محاولة استنطاقه من جديد خارج ظلمات النسيان أو الحيف الذي لحقه، إذ قدّم لطفي الشابي تقويضا لجلّ التصورات والمنظورات التي سلّطت اهتمامها على أبي القاسم وأدان سطحيّة قراءاتها له، كما أدان جملة من المواقف التي تحاول بشكل أو بآخر ازدراء هذا الشاعر، معتبرا أن معظم الذين يعرفونه لم يقرؤوا كل منجزه الكتابي وآثاره الإبداعية التي تركها.
لم يكتف الجمهور بالصمت ومتابعة اللقاء كعنصر سلبيّ، على العكس من ذلك فقد تورّط بدوره في الحوار وطلب الكلمة في النقاش، سواء من خلال الاثناء على المنجز الروائي للطفي الشابي وأهميته أو من خلال طرح جملة من الأسئلة وبخاصة منها التي تعلّقت بتلك المعلومة التي قدمها الروائي من خلال تصريحه بإعادة طباعة الرواية من جديد وبشكل مغاير بعد اشتغاله عليها، وبالتالي كان السؤال متعلقا بالبحث عن الجدوى من ذلك، وعن كيف يمكن إعادة "كتابة المكتوب" بعبارة الروائي التونسي كمال الرياحي، بالنظر فيه مجددا سواء من خلال التشذيب أو التجويد، لنكتشف من خلال النقاش الدائر بين مختلف المشاركين فيه أن الكتابة لم تعد ثابتة بقدر ما هي ترفض السكون وخاضعة للتجدد باستمرار.
ولأن معظم الجمهور لم تتسنّ له فرصة الاطلاع على الرواية لعدم توفّرها، فقد مثل اللقاء ورقة تعريفية بها وبصاحبها كإحدى مهمّات بيت الرواية الذي ما انفكّ يكرّس فكرة التعريف بالمنجز الروائي التونسي، كما مثّل قادحا معنويا كبيرا لضرورة نشرها في طبعة جديدة.
تسعى رواية ما يقله الشاعر، إلى قول ما كان سيقوله لو كان حاضرا بيننا، ولأنّه غائب، فقد تمّ تسريده روائيّا من قبل الروائي لطفي الشابي، واقحامه في عوالم الورق كشخصية ناطقة وتدلي بتجربتها وسيرتها الكتابية، وعليه فقد نمت تلك الشخصيات الأخرى، كشخصية بلقاسم: قناع يختفي من وراءه المؤلّف،
أما شخصية أبو القاسم الشابي فستبدو هي الأخرى قناعا لشخصية بلقاسم ذاتها، فكانت لعبة الأقنعة هذه نوعا من الانعكاس الذاتي للمؤلف من أجل الإدلاء بمنظوراته وتصوراته تجاه المنجز الشعري كما الروائي وقضاياهما، وتتمّة لقول لطفي الشابي ابن الساحل التونسي والمتخرّج من دار المعلّمين العليا بسوسة، ناشط جمعياتي وعضو مؤسس لجمعية أحبّاء المكتبة والكتاب بنابل ورئيس جمعية فنون المتوسّط الثقافيّة، وعضو مؤسّس لمجموعة أقواس للبحوث الفنّية والعروض الفرجوية، وعضو اتّحاد الكتّاب التونسيين منذ سنة 2012، صدرت له مؤلّفات روائية منها "ما لم يقله الشاعر" سنة 2009 و"المائت" سنة 2013، و"هواوي" سنة 2018، كما صدرت له مجموعة شعريّة بعنوان "واقفون هنا والمدى واقف" سنة 2011، تلتها أخرى موسومة بـ "نصف قمر على ليل الحديقة " سنة 2016، "لا يعرف ألم الشاعر إلا الشاعر".